سماحه الشیخ حسن تاج الدین

المسألةُ الأصوليّةُ بشأنِ مدى دَلالةِ صنيعِ المعصومِ و إنجازهِ عملاً مُحدّداً أو تَحاشيهِ فِعلاً معيَّناً

 

عنوانُ المقالةِ العلميّةِ :

المسألةُ الأصوليّةُ بشأنِ مدى دَلالةِ صنيعِ المعصومِ و إنجازهِ عملاً مُحدّداً أو تَحاشيهِ فِعلاً معيَّناً.

 

 

تمهيدٌ :

 

إنّ مُهِمّتَنا و مِحوَرَ حديثِنا في هذه المنصّةِ ، يَلتَفُّ حولَ سنخِ صنيعِ المعصومِ و مدى ردِّ فعلِه حِيالَ أمرٍ مّا ، و مَبدئيّاً سوف يدورُ المَدارُ على كيفيّةِ استخراجِ الحكمِ الشرعيِّ من أعمالِ المعصوم فحسب فلا نَعتني بالجانبِ التقريريِّ و الكلاميِّ له عليه السلام و ذلك لأجلِ تواجُدِ بحوثٍ و تحقيقاتٍ كُثُرٍ بهذا الشأنِ مما لا نُطيلُ المَبحثَ بذكرها ، بل لدى مَنصّةِ هذا البحثِ سنُباشِرُ بذكرِ كلامَينِ من عالِمَينِ جليلَينِ و ثمّ إنهاءً للنّقاش سنقتَطِفُ منه الحصادَ و نَقتَنِصُ منه الحصيلةَ  وصولاً إلى ما هَمَمنا تشريحَه في كَنَف هذا المَقالِ و الذي بطَبعِه يَستَبطِنُ رأيِنا الرائد تِجاهَ سُمعَةِ المعصوم.

 

 

 

التغطرُس في منفَذِ الحِوار و صميمِ الموضوع :

 

 

١ : كلامِ الشيخِ المُظفّر في هذا الحَقل.

 

إنَّ سماحةَ الشيخِ المظفّرِ قد باحَ بالمعلوماتِ التاليةِ :

( مطبعة دفتر التبليعات الإسلامي ، ص ۴۱۹ )

 

 

دلالة فعل المعصوم‏ :

 

لا شكّ في أنّ فعل المعصوم- بحكم كونه معصوماً- يدلّ على إباحة الفعل على الأقلّ، كما أنّ تركه لفعلٍ يدلّ على عدم وجوبه على الأقلّ.

و لا شكّ في أنّ هذه الدلالة بهذا الحدّ أمر قطعي ليس موضعاً للشبهة بعد ثبوت عصمته.

ثم نقول بعد هذا: إنّه قد يكون لفعل المعصوم من الدلالة ما هو أوسع من ذلك، و ذلك فيما إذا صدر منه الفعل محفوفاً بالقرينة كأن يحرز أنّه في مقام بيان حكمٍ من الأحكام أو عبادةٍ من العبادات كالوضوء و الصلاة و نحوهما، فإنّه حينئذٍ يكون لفعله ظهور في وجه الفعل من كونه واجباً أو مستحبّاً أو غير ذلك حسبما تقتضيه القرينة.

و لا شبهة في أنّ هذا الظهور حجّة كظواهر الألفاظ بمناطٍ واحد، و كم استدلّ الفقهاء على حكم أفعال الوضوء و الصلاة و الحجّ و غيرها و كيفيّاتها بحكاية فعل النبيّ أو الإمام في هذه الامور. كلّ هذا لا كلام و لا خلاف لأحد فيه.

و إنّما وقع الكلام للقوم في موضعين:

 

الف) في دلالة فعل المعصوم المجرّد عن القرائن على أكثر من إباحة الفعل. فقد قال بعضهم: إنّه يدلّ بمجرّده على وجوب الفعل بالنسبة إلينا.

و قيل: يدلّ على استحبابه. و قيل: لا دلالة له على شي‏ءٍ منهما «1» أي أنّه لا يدلّ على أكثر من إباحة الفعل في حقّنا.

و الحقّ هو الأخير، لعدم ما يصلح أن يجعل له مثل هذه الدلالة.

و قد يظنّ ظانّ أنّ قوله تعالى في سورة الأحزاب 21: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ» يدلّ على وجوب التأسّي و الاقتداء برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في أفعاله. و وجوب الاقتداء بفعله يلزم منه وجوب كلّ فعل يفعله في حقّنا و إن كان بالنسبة إليه لم يكن واجباً، إلّا ما دلّ الدليل الخاصّ على عدم وجوبه في حقّنا.

و قيل: إنّه إن لم تدلّ الآية على وجوب الاقتداء فعلى الأقلّ تدلّ على حسن الاقتداء به و استحبابه.

و قد أجاب العلّامة الحلّي عن هذا الوهم فأحسن- كما نقل عنه- إذ قال: إنّ الاسوة عبارة عن الإتيان بفعل الغير لأنّه فعله على الوجه الّذي فعله، فإن كان واجباً تعبّدنا بإيقاعه واجباً، و إن كان مندوباً تعبّدنا بإيقاعه مندوباً، و إن كان مباحاً تعبّدنا باعتقاد إباحته‏ «2».

و غرضه قدس سره من التعبّد باعتقاد إباحته فيما إذا كان مباحا ليس مجرّد الاعتقاد حتّى يرد عليه- كما في الفصول- بأنّ ذلك اسوة في الاعتقاد لا الفعل‏ «3» بل يريد- كما هو الظاهر من صدر كلامه- أنّ معنى الاسوة في المباح هو أن نتخيّر في الفعل و الترك، أي لا نلتزم بالفعل و لا بالترك،

 

(1) قال المحقّق الحلّي قدس سره في مسألة أفعال النبيّ صلى الله عليه و آله: «قال ابن سريج: تدلّ على الوجوب في حقّنا، و قال الشافعي: تدلّ على الندب، و قال مالك: على الإباحة، و الأولى التوقّف» معارج الاصول: ص 118. و إن شئت التفصيل راجع مفاتيح الاصول: باب الأفعال و التأسّي ص 279.

(2) راجع نهاية الوصول: الورقة 94.

(3) الفصول الغرويّة: 313.

 

 

إذ الاسوة في كلّ شي‏ء بحسب ما له من الحكم، فلا تتحقّق الاسوة في المباح بالنسبة إلى الإتيان بفعل الغير إلّا بالاعتقاد بالإباحة.

ثمّ نزيد على ما ذكره العلّامة فنقول: إنّ الآية الكريمة لا دلالة لها على أكثر من رجحان الاسوة و حسنها، فلا نسلّم دلالتها على وجوب التأسّي. مضافاً إلى أنّ الآية نزلت في واقعة الأحزاب فهي واردة موردَ الحثّ على التأسّي به في الصبر على القتال و تحمّل مصائب الجهاد في سبيل الله، فلا عموم لها بلزوم التأسّي أو حسنه في كلّ فعل حتّى الأفعال العادية. و ليس معنى هذا أنّنا نقول: بأنّ المورد يقيّد المطلق أو يخصّص العامّ، بل إنّما نقول: إنّه يكون عقبة في إتمام مقدّمات الحكمة للتمسّك بالإطلاق. فهو يضرّ بالإطلاق من دون أن يكون له ظهور في التقييد، كما نبّهنا على ذلك في أكثر من مناسبةٍ.

و الخلاصة: أنّ دعوى دلالة هذه الآية الكريمة على وجوب فعل ما يفعله النبيّ مطلقاً أو استحبابه مطلقاً بالنسبة إلينا بعيدة كلّ البعد عن التحقيق.

و كذلك دعوى دلالة الآيات الآمرة بإطاعة الرسول أو باتّباعه على وجوب كلّ ما يفعله في حقّنا، فإنّها أوهن من أن نذكرها لردّها.

ب) في حجّية فعل المعصوم بالنسبة إلينا. فإنّه قد وقع كلام للُاصوليّين في أنّ فعله إذا ظهر وجهه أنّه على نحو الإباحة أو الوجوب أو الاستحباب مثلًا هل هو حجّة بالنسبة إلينا؟ أي أنّه هل يدلّ على اشتراكنا معه و تعدّيه إلينا فيكون مباحاً لنا كما كان مباحاً له أو واجباً علينا كما كان واجباً عليه … و هكذا؟

و منشأ الخلاف: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم اختصّ بأحكام لا تتعدّى إلى غيره‏ و لا يشترك معه باقي المسلمين، مثل وجوب التهجّد في الليل، و جواز العقد على اكثر من أربع زوجات. و كذلك له من الأحكام ما يختصّ بمنصب الولاية العامّة، فلا تكون لغير النبيّ أو الإمام باعتبار أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

فإن عُلم أنّ الفعل الّذي وقع من المعصوم أنّه من مختصّات فلا شكّ في أنّه لا مجال لتوهّم تعدّيه إلى غيره. و إن عُلم عدم اختصاصه به بأيّ نحو من أنحاء الاختصاص فلا شكّ في أنّه يعمّ جميع المسلمين، فيكون فعله حجّةً علينا. هذا كلّه ليس موضع الكلام.

و إنّما موضع الشبهة في الفعل الّذي لم يظهر حاله في كونه من مختصّاته أو ليس من مختصّاته و لا قرينة تُعيّن أحدهما، فهل هذا بمجرّده كافٍ للحكم بأنّه من مختصّاته، أو للحكم بعمومه للجميع، أو أنّه غير كافٍ فلا ظهور له أصلًا في كلّ من النحوين؟ وجوه، بل أقوال.

و الأقرب هو الوجه الثاني.

و الوجه في ذلك: أنّ النبيّ بشر مثلنا، له ما لنا وعليه ما علينا، و هو مكلّف من اللَّه تعالى بما كُلّف به الناس إلّا ما قام الدليل الخاصّ على اختصاصه ببعض الأحكام إمّا من جهة شخصه بذاته و إمّا من جهة منصب الولاية، فما لم يخرجه الدليل فهو كسائر الناس في التكليف.

هذا مقتضى عموم أدلّة اشتراكه معنا في التكليف. فإذا صدر منه فعل و لم يُعلم اختصاصه به، فالظاهر في فعله أنّ حكمه فيه حكم سائر الناس، فيكون فعله حجّة علينا و حجّة لنا، لا سيّما مع ما دلّ على عموم حسن التأسّي به.

و لا نقول ذلك من جهة قاعدة الحمل على الأعمّ الأغلب، فإنّا لا نرى‏ حجّية مثل هذه القاعدة في كلّ مجالاتها، و إنّما ذلك من باب التمسّك بالعامّ في الدوران في التخصيص بين الأقل و الأكثر.

 

 

٢ : كلامِ السيدِ الشهيدِ الصّدر بهذا الصَّدى.

 

أما الفعلُ فتارةً يقترن بمقال أو ظهور حالٍ يقتضي كونه تعليميّاً ، فيكتسب مدلولَه من ذلك ، و أخرى يتجرّد عن قرينة من هذا القبيل و حينئذٍ فإن لم يكن من المحتمل اختصاص المعصوم بحكم في ذلك الموردِ ، دلّ صدورُ الفعل منه على عدم حرمته بحكم عصمته ، كما يدل التركُ على عدم الوجود لذلك ، و لا يدل بمجرّده على استحباب الفعل و رجحانه إلا إذا كان عبادةً فإنّ عدمَ حرمتها مساوقٌ لمشروعيّتها و رجحانها ، أو أحرزنا في موردٍ عدمَ وجودِ أيّ حافزٍ غيرِ شرعيّ ، فيتعيّنُ كونُ الحافزِ شرعيّاً فيثبُت الرجحان،  و يُساعد على هذا الإحرازِ ، تَكرارُ صدورِ العملِ من المعصومِ ، أو مواظبتُه عليه مع كونِه من الأعمال التي لا يقتضي الطبعُ تكرارها و المواظبةَ عليها.

وهل يدل الفعل على عدم كونه مرجوحاً إما مطلقاً و إما في حالة تكرار صدوره من المعصوم ، أو لا يدل على أكثرَ مما تقدم من نفي الحرمة في ذلك الفعل؟  وجوهٌ مبنيّةٌ على أنّ المعصوم هل يجوز في حقّه ترك الأولى و فعلُ المكروه ، أو يجوز حتى التكرار و المواظبةِ على ذلك ، أو لا يجوز شيئٌ من هذا بالنسبة إليه؟

و يلاحَظُ أنه على تقدير عدم تجويزِ ترك الأولى على المعصوم ، إما مطلقاً أو بنحوِ المواظبة على الترك ، نستطيعُ أن نستفيد من الترك عدمَ استحباب المتروك ، كما نستفيد من الفعل عدمَ كونه مكروهاً و عدم كون الترك مستحباً.

و تبقى هناك نقطةٌ ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار ، و هي أنّ هذه الدلالاتِ إنما تتحقّق في إثباتِ حكمٍ للمكلف عند افتراض وحدةِ الظروفِ المُحتمَلِ دخلُها في الحكم الشرعي ، فإنّ الفعل لمّا كان دالاً صامتاً و ليس له إطلاقٌ ، فلا يُعيّنُ ما هي الظروف التي لها دخلٌ في إثبات ذلك الحكم للمعصوم ، فما لم نُحرِز وحدةَ الظروفِ المحتملِ دخلُها ، لا يمكنُ أن نُثبتَ الحكم.

و من هنا قد يُثارُ اعتراض عامٌ في المقام ، و هو أنّ نفسَ النبوةِ و الإمامةِ ظرفٌ يميّزُ المعصومَ دائماً عن غيره ، فكيف يمكن أن نُثبتَ الحكم على أساسِ فعلِ المعصوم.

 

و الجوابُ على ذلك : أنّ احتمالَ دخلِ هذا الظرف في الحكم المكتَشَف مَلغيٌّ بقوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. و ما يناظره من الأدلة الشرعية الدالة على جعل النبي و الإمامِ قدوةً ، فإنّ فرضَ ذلك يقتضي الغاءَ دخل النبوة و الإمامة في سلوكهما ، لكي يكونَ قدوةً لغيرِ النبي و الإمام ، فما لم يثبت بدليل أنّ الفعلَ المعيّن من مختصاتِ النبيّ و الإمام يُبنى على عدم الاختصاص.

 

 

نِتاجُ النّقاش و حَسمُه نِهائيّاً :

 

فها نحنُ عقِبَ عباراتِ الشيخِ المظفّر و إثرَ كلماتِ الشهيدِ الصدرِ المنقولَتَينِ آنفاً ، نطرَحُ السؤالَ الهامَّ في هذا الحَقلِ كَرّةً أخرى ، وهو بالتّحديد أنّه ، هل إنجازُ عملٍ من قِبَلِ المعصوم ، يُبرهِنُ على استحبابه و راجحيته شرعا لو صنعه ، و كذا تَفادِي المعصوم عن صنيعَةٍ  يُدلّلُ على كَراهيّتِها و بُئسِها شرعا لو تَجنّبَها ، أم أنه دال على مجرد جوازه و عدم حرمته لو فَعلَ ذلك ، و على مجرد جوازه و عدم وجوبه إذا اجتنب ، أم أنهما مُجملان تماماً فيؤخذ بالقدر اليقيني من تلك الحادثةِ لأنّ الفعل و التفادي عنصرانِ لُبّيّان لا ظهورَ لهما كلامياً حتى يَتِمَّ التشبّثُ به.

 

إنّ الإجابةَ عن الاستفهامِ المطروحِ و التي سوف تُمثّلُ مَعرِفتَنا بالأئمة الأبرارِ و ثُمَّ من خِلالِها سيَتِمُّ إفرازُ الرأي السديد ، هو بالتحديد ما قامَ التنصيصُ عليه بالكامل ضمنَ الآيات و الروايات و الأدعية و الزيارات تجاهَ حقِّهم ، و هي كالتّالي :

 

١ : الآية ٢١ الأحزاب : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).

فالآيةُ الكريمةُ بشهادةِ “في” الجارة و انحذافِ المضاف من مكانِه ، حيثُ لا علمَ لنا بالمضاف أهو قولُ الرسولِ ( و كذا آله ) أو فعله أو تقريره أو سكوتُه ، تدل بالإطلاق على حجيةِ و راجحيةِ و استحباب كافّةِ الحركات و السكناتِ الصادرةِ عن النبي ( وآله ) إلا الخصائصَ الخصّيصةَ له ، حيث إنه هو القدوة و الملاكُ الرئيسيُّ لدى كافّةِ المشاغِلِ المُحسَّنة ، فعلى إثرِه ، إنْ كان تواجُده ذاتاً بصفتِه الحَسَنِ المُطلقِ نافعاً و قيّماً للأمّة ، فكيف حالُه بالنسبةِ الى العوارض المنبعِثةِ عنه عليه السلام كالفعل و القول و غيرهما.

إلى هنا قد لاحَ و باحَ لك ، أنه :

أوّلاً : لا يصدُر من المعصومِ إلا الفضيلُ السائدُ المُفضَّلُ لدى الله تعالى.

و ثانياً : مَحالةَ الالتزام بالمقولةِ التي تَتفوّهُ بإمكان صدور الكراهة من قِبَلهم هدفاً لتعليم الأمّة بل كلُّ ما صدر عنه إطلاقاً يُحمَل على الحُسن ، و كلُ ما تحاشاه عليه السلام يُحكَمُ بالإباحة على صعيدِ التوصلياتِ ، و قلةِ الاستحباب على صعيدِ التعبديات.

 

٢ : الآياتُ ٢ إلى ٤ من سورةِ النجم : (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ).

هذه الآياتُ النيّرةُ تتلألأُ لقارئِها بأنَّ أفعالَ النبي و نُطقَه اللاصِقَ بالوحي لا تَتّسِمُ بسِمَةِ الضلال و لا بالإغواء نِهائيّاً.

فيبدو جليّاً أنَّ من الشططِ و الهُراءِ ، أن يَنتميَ إلى المعصوم فعلُ الكَراهةِ بحُجةِ تثقيفِ الناس و ثم زُهوقُ الكَراهةِ المَشينةِ عنه فحسب حينما ارتكبَها.

و أنّى البيّنةُ على ذلك ، حيثُ اقتحامُ المكروهِ المبغوضِ سيُفضي إلى مأزِقٍ اجتماعيٍّ و من جَوفِه ستَتشكّل سيرةٌ عرفية عامة ٌ بل خاصّةٌ تجتاحُ المتشرّعِينَ تماماً ، ناشئاً من فعل المعصومِ الذي قد علّمَهم العملَ المشوبَ لدى الله ( و العياذ بالله) ، بينا هو لم يكُ ملزَماً على أن يتمثّلَ عملياُ بهذا التِمثال الشنيعِ و بين يديه منافِذُ كُثُر و سبيلُ البيان اللفظي أو الإشارةُ و الإيماء و ما شاكلها.

فمحصودُ الكلام في المقام ، هو أنّه مَن تبَنّى هذا الاتّجاهَ المُكلِّفَ سيُمرِّرُ شخصيّةَ المعصومِ إلى ارتكابِ المكروه و مِن ثَمَّ قمحُ المكروهِ عنه و تبريرُه هو فحسب و تركُ الأمّةِ و استِرسالُها مُنغَمرةً في مُستنقَعِ الكراهةِ ، و تلوَه ستتكوّنُ سنةً عملية لدى المسلمين أجمعَ ، فالتّسائُل المُنحدِرُ هنا هو أنّه لو التزمتم بتَدفُّقِ الكراهةِ عنه خاصة ، فمَن سيُزيحُ المكروهَ المُتفشّي في عُقرِ الأمة ، المُمتثلة لذلك العملِ الرّديئ.

 

ومضَةٌ :

اعلم أن القضيةَ المذكورةَ للتّو ، لا عكس لها ، فامتِداداً لهذا الضوء ، إنّ المتروك من قِبَل المعصوم لا يُضاهي عدمَ استحبابه و كراهتَه و شُئمَه قِبالَ الله الجليل ، فعلى إثرِه ؛ أمّا في إطارِ التوصّليّاتِ ، لو تخطّى المعصومُ عن إنجازِ فعلٍ مّا ، فهذا سيُعربُ عن إباحته و عدمِ إيجابِه و أنّه مسموحٌ و أمّا في نطاقِ التعبديات ، فتفادي المعصوم يُعبّرُ عن تضائُلِ مستوى استحبابِه و انخفاضِ رجحانيّته .

نعم لو بدا لنا أنّ ابتعادَه عن فعل خاصٍ كان مصلحةً جزئيةً أو قَهراً و إجباراً عليه و كُرهاً عليه تقيّةً أو مرضاً أو غرضاً خاصاً و ما إليها ، فتَركَ أمرا مندوباً نبيلاً مُسلماً لدي الجميع أو صَنعَ مرجوحاً (لو ثبت ذاك تأريخيّاً) ، فكلُها لا تَخدِش هَويّتَه الساميةَ بل تَندرِجُ ضمنَ قائمةِ “الطوارئ” ، خِلافاً للأصل الرئيسيِّ الذي أسّسناهُ مُسبقاً و هو أن الضابطَ الشاسِعَ بشأنِ أفعالهم و مسالِكهم يَتمثّلُ تمامَ التمثّلِ في الاستحباب و الراجحيةُ و الدعوةُ إلى مرضات الله تعالى.

 

٣ : الآيتان ١٦٢ و ١٦٣ لسورةِ الأنعام : (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

فالآيتان تنصيصان بأنّ کافّةَ الحركات و السَكَنات جمعاءَ بل و حتى جوهرةُ حياةِ المعصوم و مَماتِه مُتمحّضةٌ لله خالصةً لا يشوبُها أيُّ تشويهٍ مشينٍ و مكروهٍ نِهائيّاً.

فانطلاقاً من هذا التفكير يبوحُ لك أنّ أيّةَ تصرّفاتٍ من ناحيَتِهم تَتَصبّغ مباشرةً صبغةً إلهيةً و مرضيةً لوجهِ الله ، بل و قد أُمِروا بذلك وِفقاً لصريحِ الآية ، فمهما أنجزوا من أعمالٍ أو اجتازوا عن مسالِكَ ، أصبَحَ حجةً لنا و علينا ، نظراً إلى انعدامِ اختصاص الأحكام بهم ، وصولاً إلى انفعالِ “أصالةُ اشتراك الأحكام” بين المعصوم و البشر كافةً ، فإذن هؤلاء العِلّيون ، خُلّصونَ لدى كافّةِ أنحاء الحياة ، فينتُج منن أنّ أفعالهم بريئةٌ عن الكراهة و المبغوضية.

 

٤ : الآية ٣١ لسورةِ آل عمران : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببْكم الله و يغفرْ لكم ذنوبكم و الله غفور رحيم).

كما عاينتَ الآيةَ فلقد تمّ تعليقُ انجذابِ محبوبيّةِ الله الجليل على اتّباع الرسول الكريم ، فاستتباعُ الرسولِ يُأهّلُ المرءَ أن ينالَ المحبوبيةَ الإلهيةَ ، علماً بأنّ متابعةَ الرسول على الإطلاق هي لأجل محبوبية كافّةِ المناسك المنبثِقةِ عن النبي ، فالتّكالُ على سلوك النبي إطلاقاً هو المأخذُ الفريدُ لإحقاق الرسالةِ الالهيةِ ، فعلى هذه الوتيرةِ قد اُعتبرت تبعيّةُ النبي ، حسنةً محضة لا تنطبِعُ انطباعَ الكُرهِ والنَّكالِ البئيس ، فهو نَموذَجٌ وهّاجٌ لا تُفرَزُ عنه حزازةٌ و كراهةٌ مشوبة بل كلُ ما يصدر عنهم يُمثِّلُ مِثالاً نفيساً لحُب الله تعالى ، فمعهم لا موطِنَ للبُغض و لا منصّةَ للاشمئزازِ تجاهَ الباري سبحانه بل كافّةُ متعلقاتِهم من فعل و قول و تقرير في دائرةِ التوصليات و العبادات نظراً لعنوانِ “التبعيّة”،  نزيهةٌ و صافيةٌ ، فسيراً تلوَ هذه النظرة ، أنّى للمعصومِ أن يَجولَ في ارتكابِ المكروهاتِ بُغيةَ أن نصنعَ صنيعاً مساوِقاً لصنيعِهم و بالتالي نظَلُّ محبوبين عند الله من خِلالِ تعلّمِ الكريهِ و التغطرُسِ فيه.

 

٥ : (…وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ…).

و يتجلّى الاستظهار من هاتِ الآية طبقَ ما مضى وِفقاً للآيات الماضية ، بل هنا أرقى و أنورُ ، لأنّ الله سبحانه قد أصدرَ أمراً جليّاً على طاولةِ الأوامرِ و النّواهي ، عند مطلق الإيتاء و نهيِ الرسول الخاتم من فعل و شبهه ، و هذا لا يَنسجِمُ باستلامِ المكروه من أفعالِه العمليِّ مع تواجدِ عنصرِ التكلم ، حيثُ ارتكابُه العمليُّ للمكروهِ الرديءِ سيُفضي إلى إغراء الأمة في الجهل ، فدرءاً لهذا المأزِق ، نرى أن أمامَ المعصومِ حَلّاً سلِساً آخرَ و هو التحدّث و الإنباءُ عن المكروهِ لفظياً . نعم لو تجنّبَ المعصوم عن عملٍ مّا ، فسوف يُحدّد للفقيه أنه لم يك مستحباً و محبوباً لدى الله المتعال ، لا كما يعتقدُ البعضُ بأنّ المُتجنَّبَ كان مستحباً فتركَه المعصوم إفهاماً لنا جوازَه و عدمَ وجوبِه ، فإنَّ التّخطّيَ عنه أمر مفروغٌ عنه يُضيئُ الدربَ لنا عن عدم وجوبه بالتأكيد ، فلا يَتطلّبُ الأمرُ إلى عمليّةِ استظهار انعدامِ الوجوب فيه خاصّة ، بل يتطوّرُ هذا الوعيُ حصولاً مُباشرِيّاً على عدم استحبابه أيضاً و بكلّ صراحة ، فحصادُ الحوارِ هو أنّ التركَ بدورِه الهامِّ ذو صلاحيّةٍ و راجحيّةٍ شامخةٍ.

 

٦ : لقد ورد في زيارة الجامعة الكبيرة : (…السَّلامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ وَ الْأَدِلاءِ عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَقِرِّينَ [وَ الْمُسْتَوْفِرِينَ‏] فِي أَمْرِ اللَّهِ وَ التَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَ الْمُخْلِصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَ الْمُظْهِرِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ….) .

و مشياً على إثرِ ما خلّفناه مُسبقاً ، فالمعرفة الصائبةُ و الاعتقاد الحقيقي حيالَ آل البيت عليهم السلام مُلائِماً لمبادِئِنا الحقةِ ، يَستدعي و بكلّ صلابةٍ أنّهم بالتحديد ، همُ الداعون الحقيقيّونَ إيصالاً إلى الله ، فمِن هذا المُنطَلق ، ما أنجزوا و دعَوا إليه أو اجتازوه و تفادَوه من فعل و قول و ما إليهما ، يَتعيّنُ أن يكونَ تمامُه محبوباً و مَرضيا عند الله و أن يَتِمَ به الزُلفى و الدّنُوُّ إلى الله انسجاماً لمقولتِه تعالى ضمنَ سورةِ الشورى آية ٥٢ : (…و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ، فالنبيُّ بوصِفه الهادي ، يهدي مباشرةً إلى الصراطِ المستقيم ، فالتّسائل المطروحُ في الوضعِ الراهنِ ، أنّه كيف يَتفوّهُ عالِمٌ مثيلٌ بهذا الحديث مُبرّراً صدورَ مكروه بئيسٍ منه (والعياذ بالله)؟ بل مهما صنعه أو تحاشاه فهو بالتأكيد يُمثِلُ دورَ التقربِ إلى الله ، لأنّ التقرّبَ منشعِبٌ بعُنصرَينِ إما بالقرب الفرائضيِّ و إما بالقرب النوافلي ، فعلاً و تركاً ، و بالتّالي ، فالمكروه مُزالٌ عنه عليه السلام تخصّصا و موضوعاً لا تخصيصاً.

و على هذا المِنوال ، فمن عايَنَ تكملةَ الزيارة ، يقِفْ على مَحاليّةِ ارتكاب المكروه البائس من قِبَلِ سماحتهم الساميةِ و الذي لا يُباشِرُه الفضيلُ فضلاً عن ذاتٍ معصوم .

و بالأخص مَن لاحظَ عبارةَ “التامّينَ في محبة الله” و عبارةَ “المخلصين في توحيد الله” يتلَألأ له أنَّ الإنسانَ التامَّ و المعصومَ بالعصمة الكبرى ، كلَّ عوارضه و صفاتِه الصادرةِ عنه ، تُعرِبُ عن أكمليّتِه في عامّةِ الأنحاء و شموخِه إلى أرقى الدرجات بما في الكلمة من معنى.

 

٧ : و ممّا يُدلّل على نَزاهتِهم من إطارِ الكراهيّاتِ و المُشمئِزات  هو بالضبط ما بلغنا في زيارة آل ياسين : (…السلام علیک حین تقوم ، السلام علیک حین تقعد ، السلام علیک حین تقرأ و تبین ، السلام علیک حین تصلی و تقنت ، السلام علیک حین ترکع و تسجد ، السلام علیک حین تهلل و تکبر ، السلام علیک حین تحمد و تستغفر ، السلام علیک حین تُصبح و تمسی…).

فكما ترى ، هذا تنصيصٌ على استحباب رُمّةِ أفعال المعصومين المُنسَجِم مع روحِ الزيارةِ ، حيث قد تعلّق “سلام الله” على عامّةِ أعمالهم و حركاتهم و سكناتهم قاطبةً ، مما يَعي القارئُ الكريم أنّ جوهرَتَهم النقيّةَ لن تتَناسَقَ تِلقائيّاً مع إصدارِ المكروهِ المشئومِ منهم عمليّاً ، بل ثَمةَ طُرُقٌ كُثُرٌ كيْ يُنبِأَ الآخَرين عن الأحكامِ المكروهةِ فلا يُجبَرُ القائلُ بهذه الدعوى الواهيةِ المهزوزةِ.

 

٨ : إنّ الشاهدَ العَلَنيَّ يَتمثّلُ في تلبِيَةِ الأصحاب و تبنّيهمِ على استحباب و أرجحية كافّةِ ما صدر عن المعصوم فلم يدّعِ أحدٌ من جمهور العلماء خلافَ ذلك على ما يَبدو ، بل وِفقاً لما شاهدناه من مَطاوي كتُبهم ، إنّهم في لحظاتِ استدلالهم و بَرهَنَتِهِم بشأنِ موضوعٍ مّا في صناعةِ الفقه ، يَستَمِدّونَ بفعل المعصوم ، و كنَموذَجٍ خاصّ ، ألوحُ بحديثِ شهيدِ الصدر ، حيثُ أجاد فيما أفاد : (و يلاحَظُ أنه على تقدير عدم تجويزِ ترك الأولى على المعصوم ، إما مطلقاً أو بنحوِ المواظبة على الترك ، نستطيعُ أن نستفيد من الترك عدمَ استحباب المتروك ، كما نستفيد من الفعل عدمَ كونه مكروهاً و عدم كون الترك مستحباً.)

و على غِرارِ هذا ، فإنّ هذا الارتكازَ و التّحيُّزَ عندهم ، يُعربُ بالكامل عن عدم اكتفائهم بالإباحة فحسب ، بل على أقل التقادير يمكن أن يُدّعى و بقوة ، أنّ المعصوم حتى في دائرةِ التوصُلياتِ ، يَهدِف إلى الزَلْف و العُلقةِ بالله المتعال عبرَ نيةِ القُربى و مِن خِلالِ قصدِ الزُلفى بالله ، فلا يَنتَحِلُها و لا يخوضُها بعين فارغةٍ عن الثّواب و التقرّبِ بل يجولُ في كل مسلكٍ و مَنسَكٍ لكيْ يصبغَه صبغةً عبودية و ذو صِلَةٍ بالله ، و هذا ممّا هو مسلّم في نِطاقِ العبادات فإنه عليه السلام لا يَغُضُّ البَصَرَ عن عنصُرِ المستحبِ و النبيلِ  حتى يُنَزّلَ ذاك العملَ قيمةَ العمل العِباديّ المُستَبطِنِ للثواب ، فمُستوى رُتبةِ أعمالهم ، قد حازَ كمالَ التقوى و حقَ التقوى ، و الذي يَدعَمُ مُدّعانا ، ورودُ “السلام عليهم” في قاطبَةِ حالاتِهم ، و نظراً لهذه الرّكيزة ، فما دار الأمر فيه بين ترك الأَولى بُغيةَ تثقيفِ الناس على عدم وجوبِه أو إنجازِه نظراً إلى عدمِ تفاديهِ للراجِحِ المُثيبِ ، فعندئذٍ يُحكَمُ وِفقَ ما أسلفناه مما يَعني أنه من المُنجِزِين و المُنفّذين للعمل الأَولى و أنّه يمتثل الحسنَ و الأحسنَ دوماً و المستحباتِ كاملاً .

و أمّا الملاحظة التي حرِيّةٌ أن تؤخذ بعين الاعتبار ، هي أنه لو لم يكُ هؤلاء الخِيَرةُ النَيّرَةُ على قمّة الإخلاص و الكمال في أداء وظيفتهم لله و أنّهم يَنخرِطونَ في فعلِ المكروهاتِ ، فما المايزُ ما بينهم و بين سائر المكلّفين الذين كثيراً ما نُشاهدُ منهم اجتنابَ المكروهات الضئيلةِ و وقتَئذٍ ستُصبِحُ الحصيلةُ هي المساواة ما بينَ الفريقينِ ، بينما من البديهيِّ ، شتّان ما بينَهما، لأنّ الذي ينطبِعُ من أفعال المعصومين يُحدّدُ السبيل الشرعيٍ و الحجة الشرعية للأمّة ، فلابدّ من تمايُزِها عن السائرِين.

 

 

المائزُ ما بين الزُمرَتينِ من المعصومين :

 

نعم ، من المحتملِ الضئيل ألّا يُستفاد من أعمالِ المعصوم بالعصمةِ الصغرى ، ما بيّناه آنِفاً للمعصوم بالعصمة الكبرى من المؤهَّلاتِ و المُميِّزات الخاصةِ به ، فزُمرةُ الأكملينَ ، مُتنوّعةٌ بقليلٍ عن زمرةِ الكاملينَ ، و كذا مُتنوّعةٌ بكثيرٍ عن فئةِ البشرِ النّاقصينَ كنحن.

 

سلالةُ الكلام من هذا المقام :

و خِتاماً لهذا الحِوار و حَسماً لهذا النّقاشِ المُبَجَّل ، يَبدو مِن وِجهةِ نظرِ المؤلِّف ، أنّ ما حقّقناه من الرّكائزِ و النِّقاطِ الرئيسيّةِ و التدقيقاتِ الأساسية اِنطِباقاً على الأدلّةِ و الآياتِ القُدسيّة ، هو حافِزٌ مُثير للغاية و استِفزازٌ مُهيجٌ تِجاهَ من نالَ و حظَى بما استهدَفناه في المبحث حيثُ كانت مُهِمّتُنا هنا هو منحَ أصل مُستوعِبٍ قِبالَ أفعالهم و مُتجنّباتِهم التي هي الخيرُ المطلَق إطلاقا.

 

 

 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

WC Captcha 1 + 7 =